دور اللسانيات التداولية في الصياغة القانونية دراسة في الدستور العراقي 2005م
دور اللسانيات التداولية في الصياغة القانونية دراسة في الدستور العراقي 2005م
الملخص
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين المبعوث رحمةً للعالمين ، وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد .فقد عرفت اللغة العربية بسعة مفرداتها ، وكثرة معانيها ، وهذا ممّا يميز العربية عن غيرها من اللغات ، بأنّ للمعنى الواحد عدة ألفاظ تحمل ذلكم المعنى ، ولا نغفل قضية مهمة بين طيات هذه السمة وهي: أنّ تلك الألفاظ المتعددة ، وإن اتفقت على حمل معنى واحد إلا أنّها تتخصص بإبراز صفة خاصة من بين صفات كثيرة يحتويها المعنى المحمول باللفظ ، ويترجح تداوليًّ بحسب سياق الجملة التي احتوت ذلك اللفظ ، فلا نستطيع أن نقول كلمة (افترسه) مثل (أكله) في الآية الكريمة : { قَالُوا يَاأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ } لما لكلمة افترس استخدام تداولي على حقيقة هجوم الذئب على الإنسان وقتله عنوة ، أما الأكل ففيه إشارة إلى الأكل من غير قتل للإنسان عنوة ؛ كأن يكون وجده ميتاّ فأكله ، وتتميز ألفاظ هذه المعاني على بعضها بحسب البعد التداولي للفظ . لذا كان للبعد التداولي دور كبير في توجيه الألفاظ المستخدمة في النصوص القانونية والفقهية والقواعد المنضبطة للأصول ، لأن اللفظ مقصود لذاته دون غيره من المترادفات الأخرى ، وبهذا المعنى نجد الألفاظ في السياق القرآني مضبطةً ضبطاً إعجازياً ، ومن أجل ذلك كان للبعد التداولي دور كبير في توجيه الألفاظ في الصياغات القانونية ، ولهذا الاستخدام التداولي مقصد مطلوب لذاته عند الصياغات الدستورية والقانونية ، وتوظيف بعض الألفاظ على بعض في المعنى الواحد في النص القانوني يظهر أثره في التطبيقات الواقعية للنصوص القانونية ، فورود كلمة ( استعادتها ) في الكلام عن الجنسية الممنوحة للمواطن العراقي ، من المادة (18. ثالثاً .أ ) من الدستور العراقي 2005 بدل كلمة ( استردادها ) عدت في الصياغة الدستورية ضعفاً ومصطلح غير قانوني ، ذاك لأنّ الاستعادة يعني سقوط الجنسية عن المواطن أصلاً ثم يعاد منح الجنسية إليه مرة أخرى ، أما الصواب هو الاسترداد لأنها لم تسقط أصلاً بل تعلق وتسترد للمواطن ، ومن مثل هذا ندرك أهمية دور اللسانيات التداولية في تقنين الألفاظ في السياقات اللغوية المنضبطة ، وتحديد ما يميز اللفظ عن رديفه في المعنى الواحد لتحقيق الدقة والشمول في الألفاظ ، وخصوصاً في الصياغات القانونية ، ولتسليط الضوء على هذا الموضوع ، وبيان دور اللسانيات التداولية في توجيه النصوص القانونية والأثر الإيجابي والسلبي للاستخدام التداولي في تلكم النصوص كان هذا البحث تحت عنوان : ( دور اللسانيات التداولية في الصياغة القانونية ـــــــ دراسة في الدستور العراقي 2005) .