الضعف اللغوي في شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيره على الهوية اللغوية في العالم العربي
الضعف اللغوي في شبكات التواصل الاجتماعي وتأثيره على الهوية اللغوية في العالم العربي
Abstract
تعتمد شبكات التواصل الاجتماعي على التواصل بين مجموعة من الأفراد لهم نفس الميول والاهتمامات والهوايات وفق نظام اجتماعي إلكتروني، والهدف من هذه الشبكات هو التواصل و تبادل الآراء والأفكار والتقدم بمقترحات وحلول للمشكلات التي تواجه المشتركين في الحوار، في عصر يموج بالتغيرات العالمية المعاصرة؛ عصر العولمة وتكنولوجيا المعلومات والتواصل، الذي أثر تأثيرا كبيرا في المجتمعات الإنسانية من حيث لغاتها وثقافاتها وهوياتها وأنساقها القيمية السائدة.
في ضوء هذا التصور يمكن الحديث عن التأثير الكبير الذي تمارسه شبكات التواصل الاجتماعي على المنظومة اللغوية والهوياتية للشعوب العربية، في سياق تعزيز القيم العولمية الجديدة. حيث إن الضعف اللغوي والاضطراب الهوياتي الذي نلاحظه عند مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي؛ وخصوصا عند فئة الشباب، تعد دليلا واضحا على وجود تأثير سلبي لهذه الشبكات على لغة وثقافة وهوية المجتمعات العربية.
تسعى هذه الورقة البحثية أساسا إلى دراسة تأثير الضعف اللغوي في شبكات التواصل الاجتماعي على الهوية اللغوية للفرد العربي في ظل الفجوة الرقمية واللغوية والمعرفية والتعليمية الكبيرة التي تعاني منها الدول العربية، وفي ظل التطورات التقنية الهائلة للتطبيقات المتنوعة لوسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، سواء عبر أجهزة الحاسوب، أو عبر الهواتف النقالة بأجيالها المتعاقبة القادرة على تصفح مواقع الشبكات الاجتماعية، والتي تستفيد من أحدث تطبيقات الاتصال والتواصل عبر الإنترنت المعتمدة أساسا على الصور والإشارات والنصوص اللغوية المرئية والشاشات الإلكترونية الدائمة البث. ولعل أخطر النتائج المترتبة عن ذلك تلك المتصلة بمخاطر الاستلاب اللغوي والثقافي والخوف من الانشطار الهوياتي أو فقدان الهوية الأصلية لدى كثير من الشعوب العربية.
إن اللغة - خصوصا إذا تعلق الأمر باللغة الوطنية أو القومية - ليست مجرد آلية تواصلية، بل هي نظام من العلامات والرموز الدالة على الفكر، أي أنها تعكس الانجازات الفكرية والثقافية لمتكلميها، وبصيغة أدق؛ اللغة هي الصورة التي يتمثل فيها تفكير الأمة ورؤيتها للعالم والوجود، ولذا لم يكن يتصور وجود الإنسان بدون كلام، إذ بين الوجود والعدم الكلام . فاللغة هي الهوية الوجودية قبل الجماعية. واللغة كذلك هي قدرة تمكن من الإبداع وحمل المعرفة وانتاجها..، لذا ينتظر من كل متكلم طبيعي للغته أن يبدع بها ويحملها معارف مختلفة حتى تصير لغة المعرفة. وتحميل اللغة بالمعرفة أساس بناء المجتمع، كما أن بناء هذا المجتمع يهيئ اللغة لتضطلع بوظائفها كاملة، وتساهم في تنمية الإنسان لغويا وتواصليا ومعرفيا.
ومن خلال إسقاط هذا التصور على واقع اللغة العربية في الفضاء المعلوماتي وفي شبكات التواصل الاجتماعي، وارتباطا بسؤال الهوية بما تمثله من تميز وانتماء واختلاف أيضا، وارتباطا كذلك ببعض المقولات التي تلخص طبيعة العلاقة بين اللغة والهوية؛ من قبيل : "لغتي هي عالمي، وحدود لغتي هي حدود عالمي"، و"هويتي هي ما يجعلني غير متماثل مع الآخر"، و" اللغة هي الذات وهي الهوية" و"ثقافة كل أمة كامنة في لغتها"، يتبادر إلى ذهننا سؤالان رئيسان هما : ما موقع اللغة والهوية العربية ضمن منظومة تكنولوجيا المعلومات والتواصل الحديثة؟ وما أشكال وحدود تأثير الضعف اللغوي في شبكات التواصل الاجتماعي على الهوية اللغوية للفرد العربي؟
إن وجود لغة عربية متطورة وقوية يمكن أن يشكل جسرا للتواصل وتوحيد المفاهيم بين الأفراد والجماعات والمجتمعات، كما يمكن أن يكون جسرا لنقل التكنولوجيا والثقافة المعلوماتية وتوطينها في التربة العربية. فهناك قاعدة تقول أن كل من يقوم بتسويق لغته بفعالية أكبر لن يواجه صعوبة في تس ويق منتجاته وثقافته .أما إذا بقيت اللغة العربية ضعيفة، عاجزة عن التطور، عاجزة عن الانخراط في منظومة تكنولوجيا المعلومات والتواصل، فإنها ستكون هي ذاتها عائقا أمام اللحاق بركب المعرفة الإنسانية، وأمام تنمية الحوار الثقافي والحضاري العالمي، وحاجزا اجتماعيا للتواصل بين الأفراد والجماعات.