أثر سورة الحجرات في حماية نسيج المجتمع الإسلامي
أثر سورة الحجرات في حماية نسيج المجتمع الإسلامي
الملخص
الحمد لله الذي تفضَّل على عباده بما منحهم من فضل البيان الذي ذلّل به الألسن وسهّل به المستصعب، فيه إيّاه يوحِّدون وإيّاه به يسبِّحون ويقدِّسون وإلى حاجاتهم به يتوصَّلون وبه بينهم يتحاورون فيتعارفون ويتعاملون.
وأشهد أن لا إله إلا الله عرفهم في تنزيله ومحكم آي كتابه فضّل ما حباهم به من البيان على مَن فضلهم به عليه من ذي العيّ والمستعجم اللسان ﭧ ﭨ ﭽ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﭼ.([1])
وأشهد أن محمدًا (ص) قد أرسله –جلّ وعلا- للبيان فقال: ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞﮟﭼ([2])، وقال أيضا: ﭽ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﭼ([3])، وبعد...
فهذهِ دراسةٌ في سورة الحُجرات، التي نزلت في السَّنة التَّاسعةِ للهجرة، فهي سورةٌ مدنيةٌ تُمثل في آياتها الثمانيةَ عشرةَ مجموعةً من القواعدِ والآدابِ والقوانين التي جعلها –جلَّ وعلا- علامةً مُميَّزةً لهذا المجتمع الذي تربَّى على يَدَي الرسولِ r. كان الخطابُ أو النِّداءُ فيها بهذا الأسلوب المحبَّبِ إلى النّفوسِ المؤمنةِ، التي أقرَّ أصحابها بوحدانيةِ اللهِ –جلَّ وعلا- وتفرُّدِهِ في الخلق، وأقرُّوا بنبوة محمَّد (ص( وكان النِّداء فيها للجميع، للسَّابقين منهم، المهاجرين والأنصار، وللوافدين الذين لا يزال إسلامهم في مدارجه الأولى... هذه الآدابُ، أو الأخلاقُ التي قدَّمتْها هذه السُّورةُ متنوعةٌ، ومتعدِّدةٌ، منها:
- أدبٌ، أو آدابٌ مع الله –جلَّ وعلا-، ورسوله (ص)، الذي لا ينطقُ عن الهوى. أدبٌ مع الله –جلَّ وعلا- يستلزمُ مراعاةَ أوامرهِ، وتوجيهاتِهِ وتشريعاتِهِ في كلِّ حال. وأدبٌ مع الرسول (ص)، ينسجمُ مع الأخلاقِ العربيةِ التي لا تعجلُ بأمرٍ ولا نهيٍ دون الأَبِ، أو رئيسَ الأُسرةِ والعشيرةِ والقبيلةِ، والإمامُ القائدُ القدوةُ... وليس لكلِّ فردٍ الحقُّ في التَّقديم عليه بالرأيِّ والمشورةِ، أو المخالفةِ، وذلك ما نهى عنه –جلَّ وعلا- في مطلع السورة.
لقد أمر –جلَّ وعلا- المؤمنين بخفض أصواتهم في حضرةِ الرسولِ (ص) فوضعوا الأمر موضع التطبيق فورًا، حتى كان حديثَهُم بينهم همسًا...
- وانتقل هذا الأدبُ مع الله –جلَّ وعلا-، ومع رسوله (ص) إلى الدُّعاةِ والعلماءِ والفقهاءِ، بل وأصبح قانونًا، بعد وفاة الرسول (ص)، فليس للمؤمنين أنْ يرفعوا أصواتهم في مسجدِ النبي (ص)، ولا في المساجد الأخرى تأسيًّا بسلف الأُمَّة.
- في السورة آدابٌ: أدبٌ مع النَّفسِ، والأُسرةِ، والمجتمعِ، وأدبٌ مع الأصدقاء، وآدابٌ مع الأعداء، ومع الناسِ جميعًا في حالاتِ السِّلمِ والحربِ، والعاداتِ والمعاملاتِ، وفي العباداتِ... وقد التزم بها هذا المجتمع الربَّاني حتى أصبحوا كالجسد الواحد، وهم إخوةٌ ، يجمعهم الإيمان، وتُوحِّدهم طاعةُ الله ورسوله، وتُهذِّبُهم الحكمةُ التي أصبحت ضالَّةَ المؤمن.
ولتمام الفائدة أوجزتُ في مقدَّمة هذه الدراسة أسبابَ النزولِ، وذكرتُ المناسبةَ بين السورةِ وما تَقدَّمها من سورةِ الفتحِ، وتركتُ البابَ مفتوحًا لِمَن أراد الإضافةِ إليها؛ لأنّها تُعدُّ دستورًا، أو ورقةَ عملٍ وأُنموذجًا متقدِّمًا في الآدابِ الرَّفيعةِ والأخلاقِ الطيبةِ التي رَضيَها –جلَّ وعلا- لهذه الأمَّةِ الرائدةِ التي تَعهَّد لها –جلَّ وعلا- بالنَّصرِ والتَّمكين، ما أنْ تمسكَّت بكتابها وسُنن رسولها (ص)، وأنا على يقينٍ بأنّ الله –جلَّ وعلا-، لن يتخلى عنها وإنْ ضَعُفَت أو مَرُضَت، فأنّها إلى العَودِ أقرب والعَودُ أحمدَ، ﭽ ﮤ ﮥ ﮦ ﭼ.([4]) والله الموفق، والحمد لله رب العالمين، وصلَّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرً