الجغرافيا بين الوضعية والنقدية

الملخص

    العالم للبيع ومن أجل منع بيع العالم يتطلب الأمر الكثير من العمل من قبل الجغرافيين النقديين.

    شهدت الجغرافيا تحولات كثيرة وعميقة رغم عمرها الاكاديمي القصير. كانت من أهداف او دوافع هذه التحولات إضفاء الطابع العلمي الصرف والنفعي على الجغرافيا بمعنى إمكانية صياغة تعميمات وقوانين ونظريات قابلة للتطبيق، لكن اغلبها لم ينجح في مسعاه. ولعل آخر هذه التحولات هو النظر الى الظاهرة (الظواهر) التي يُخضعها الجغرافيون للتحليل من منظور النظرية الاجتماعية النقدية التي تعارض المنظور الوضعي الذي يرى ان المعرفة تتأتى فقط من التجربة المباشرة او غير المباشرة عبر الملاحظات والقياسات التي تتم بواسطتها معرفة الموضوع أي الظاهرة تحت الدراسة هادفة بذلك تطبيق القوانين المصاغة على ضوء القوانين الطبيعية، وقاد هذا الجغرافيين الى ما عُرف بالثورة الكمية في الجغرافيا. بينما النقديون يرون بأن العلم وبخاصة العلم الاجتماعي يخدم بعض الغرض السياسي ومنها خدمة النظام الاجتماعي الراسخ تقليدياً وتمكينه من البقاء وبالتالي فإن الجغرافيا النقدية تحاول كشف بدائل الانعتاق (التحرر) للتيار المهيمن بواسطة الدولة ورأس المال، الذي من معالمه عدم المساواة، الجريمة، التلوث، الفقر، الحروب، التهميش، اضطهاد الأقليات، قهر النساء وغيرها. وعليه، فالبحث يهدف الى بيان تأثير الفلسفة الوضعية على الجغرافيا وانعكاسات ذلك على بروز الجغرافيا النقدية وتحديد علاقتها بالنظرية الاجتماعية النقدية بعد تحديد ماهيتهما. مع بيان التوزيع الجغرافي للنتاج الفكري الخاص بالجغرافيا النقدية عالمياً، وأهم التحديات التي تواجه هذا النتاج.

   تنبع مشروعية البحث من ضرورة متابعة التحولات الحديثة في الجغرافيا، وتوجيه انظار المختصين الى تلك التحولات وإمكانية فحصها وتدقيقها وتطبيقها. ان هذا المجال من البحث الجغرافي فيه ندرة كبيرة باللغة العربية، وعليه كان ضروريا ان يكون عماده المصادر الأجنبية. لهذا يُعد البحث من بين أولى المحاولات التمهيدية في الوطن العربي – على حد علم الباحث – لعرض أفكار الجغرافيا النقدية وهي محاولة قابلة للتطوير والتحوير والتطبيق.